واقتربت المدافع من القاهرة

واقتربت المدافع من القاهرة
دول القبائل خطة أمريكا لاستمرار الحروب الأهلية في السودان

في تطوير لأساليب الاستعمار الأمريكي الجديد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها بتوقيف الرئيس البشير الأربعاء الماضي بعد أن أقرت عليه تهمتي ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية وأسقطت الاتهام الثالث بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد قبائل الفور والمساليت والزغاوة وهي القبائل الإفريقية الكبري في دارفور التي زعم لويسي أو كامبو المدعي العام أن الرئيس البشير قام بإبادتها .  وحرص ممثلو الاستعمار الحديث في المحكمة الجنائية علي أن يتضمن القرار إلزام الدول الأعضاء في المحكمة وعددها ٨٠١ دول بتسليم البشير فور دخوله أراضيها وهو البند الذي يقيد حرية الرئيس السوداني داخل بلاده إلي حين تجهيز الخطوة الاستعمارية الثانية بعد

ستة أشهر بإحالة الحكم إلي مجلس الأمن لتنفيذ القرار . . ويعد الحكم هو الأول للمحكمة الجنائية منذ توقيع ميثاق روما ٧٩٩١ ولأن المنطقة العربية هي حقل التجارب للأسلحة الغربية والأمريكية فهي أيضا  حقل تجارب لتفعيل وتنفيذ كل أشكال الاستعمار الحديث فبعيدا  عن جرائم إسرائيل والولايات المتحدة ضد العرب والمسلمين، شهدت كينيا أكبر عملية إبادة العام الماضي ولكن تدخل واشنطن نجح في اقتسام السلطة بين الحكومة والمعارضة لأن  ' نيروبي ' تحتضن أكبر مركز للمخابرات الأمريكية في إفريقيا من ناحية ولأن سكانها ليسوا عربا  أو مسلمين من ناحية أخري .
أما السودان الذي لم يرتكب أعمال إبادة جماعية بشهادة المحكمة الجنائية نفسها والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية وأكثر من مائة منظمة دولية تعمل هناك فهو طبقا  للمصالح الأمريكية ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسان تستوجب القبض علي رئيسه .
واشنطن التي تعتمد علي أخطر مراكز الأبحاث والدراسات عدلت إذن من خططها في استهداف وقتل الحكام العرب وإبادة شعوبهم بدلا  من دخول العراق والقبض علي الرئيس الشهيد صدام حسين وإعدامه بدون موافقة الأمم المتحدة أو سند قانوني،  تقوم الآن بتنفيذ نفس السيناريو مع حاكم عربي ثانً  في أقل من ست سنوات ولكن هذه المرة تحت مظلة قانونية،  أنه إذن القتل بالقانون وهو التغيير الذي جاء به باراك أوباما وعلي الرغم من افتتاح أمر المحكمة منذ خطواتها الأولي عام ٥٠٠٢ عندما استندت إلي شهادات سودانيين لم يروا دارفور في حياتهم واستمعت إلي شهادات تشاديين باعتبارهم سودانيين إلا أن واشنطن والعواصم الغربية أصروا منذ البداية علي تنفيذ سيناريو محكم للإيقاع بالسودان وأنفقت المحكمة الجنائية ملايين الدولارات لتجنيد عملاء وتلفيق تقارير إضافة إلي استخدام أسلوب جديد علي القضاء وهو صناعة الأدلة عبر قيام مجموعات من المتمردين بتمثيل عمليات قتل واغتصاب وتوثيقها في أفلام تسجيلية باعتبارها أدلة دامغة علي جرئم الحرب في دارفور واستخدمت واشنطن تحقيقات المحكمة في تدمير أي محاولة للسلام فكلما بدأت الحكومة جولة مفاوضات مع المتمردين تعلن المحكمة عن اتهام جديد لمسئول أو للحكومة السودانية بارتكاب جرائم حرب أو جرائم إبادة وهو ما أفسد جميع جولات التفاوض بما فيها اتفاقية أبوجا في مايو ٦٠٠٢ عندما اتفقت جميع الفصائل علي بنود الاتفاقية وقبل ساعة واحدة انسحب الجميع ما عدا فصيل  ' مني اركوميناوي ' حيث خدعت واشنطن الحكومة السودانية وقال ممثلها في المفاوضات وأن علي الحكومة التوقيع علي الاتفاق وأن أي فصيل يرفض التوقيع سوف يعتبر من قبل إدارتها والغرب فصيل إرهابي ولكن بمجرد توقيع الحكومة  غادر رؤساء وممثلو الحركات إلي العواصم الغربية بوثائق سفر  غربية وتم تفريغ  مفاوضات أبوجامن مضمونها ولأن المحكمة لا تعتمد علي القانون في شيء فقد افتضح أمرها عند تقدم الرئيس الفرنسي  ' نيكولاي ساركوزي ' بمبادرته الشهر قبل الماضي حيث اقترح الرئيس الفرنسي أن يقوم الرئيس البشير بتسليم الوزير أحمد هارون والقائد علي كورشيب للمحكمة الجنائية مقابل إلغاء الحكم علي البشير،  المبادرة الفرنسية قدمت للتاريخ دليلا  علي أن المحكمة يستخدمها الغرب في تحقيق مخططاته وليست عنوانا لتطبيق القانون والعدالة كما أنها عكست استخدام البرب للمحكمة كورقة اتزان لدول العالم الثالث .
يري المراقبون أن واشنطن تحاول التخلص من النظام السوداني لأسباب كثيرة منها :
> تقديم نموذج رعب لحاكم إفريقي يشبه نموذج صدام عند الحكام العرب للتسليم بالشروط الأمريكية خاصة فيما يتعلق بالنفط والقواعد العسكرية حيث تضع واشنطن خطتها القادمة عن استغلال نفط إفريقيا والاعتماد علي ٠٢ ٪  من احتياجاتها من القارة السمراء خلال السنوات العشر القادمة،  وتحتل السودان أهمية خاصة في هذا الاتجاه لأن سعر استخراج البرميل لا يتجاوز نصف دولار وهي أقل تكلفة في العالم كما أن النفط السوداني خالي  تماما  من الكبريت إضافة إلي الاحتياطيات الكبري في السودان ومنطقة غرب إفريقيا،  أمريكا التي دمرت العراق للحصول علي نفطه ونفط الخليج تحاول الآن عبر سياسة الرعب والقتل الجماعي في أكبر جرائم العصر بعد قتل مليون وربع المليون عراقي تحاول الآن تنفيذ نفس السياسة في السودان للاستيلاء علي نفطه ونفط إفريقيا وإذا كانت واشنطن قد خسرت أكثر من ثلاثة آلاف جندي في العراق فأن خطتها في السودان وإفريقيا تعتمد علي تشكيل جيوش إفريقية تعمل لصالح الجيش الأمريكي وتحت قيادته وبالتعاون المباشر مع المخابرات الأمريكية الC.I.A   وطبقت واشنطن هذا المخطط من خلال الجيش الأثيوبي الذي قام باحتلال الصومال لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ونفذت المخابرات الأمريكية من خلاله عمليات قتل واغتيال لمئات من العناصر الإسلامية التي تزعم واشنطن أنهم يتبعون تنظيم القاعدة،  واشنطن إذن تتحرك نحو هدفيها تحت مظلة المحكمة الجنائية .
> تدمير السودان وتفكيكة قبل أن تنجح عوائد النفط في بناء دولته الحديثة ويتحول إلي نموذج للدول الإفريقية وهو ما يفسر الإصرار الأمريكي علي تنفيذ المحاكمة في فترة قصيرة جوا  ورفض واشنطن ولندن وباريس الطلب الجماعي للدول العربية والاتحاد الإفريقي بتأجيل المحاكمة أو قرار المحكمة لمدة عام واحد لإفساح الطريق أمام جهود الجامعة والاتحاد لتسوية الأزمة في دارفور .
> تطبيق النموذج الأمريكي القادم في إفريقيا وهو النموذج الذي  أطلقه في  بداية الثمانينات وكيل الخارجية الأمريكية للشئون الإفريقية  ' جورج موز ' وهو  يقوم علي  تفكيك الدول الإفريقية وإعادة تشكيلها علي  أساس قبلي  بحيث تتشكل الدولة من القبيلة الكبري  في  المنطقة بحيث تكون هناك دولة الهوسا والدينكا والشللو والبجا وتستند الخطة الأمريكية إلي  أن مفهوم الدولة الحديثة قد فشل في  إفريقيا وأن الطريق الوحيد للاستقرار هو إقامة الدولة علي أساس قبلي وتهدف الخطة إلي استمرار الحروب الأهلية بشكل دائم في القارة السمراء التي يري مفكرو البيت الأبيض أن سكانها مجرد نفايات بشرية يجب التخلص منها لأنهم  غير منتجين ولا يضيفون للحضارة البشرية شيئا .
> القضاء تماما  علي فكرة التعايش والتواصل بين القبائل العربية والإفريقية حيث يدين معظم الأفارقة للعرب بدخولهم الإسلام ويحملون لهم تاريخا  طويلا  من التقدير والفضل وبقاء هذه العلاقة يعني انتماء إفريقيا للعرب كأصل للإسلام ومساندتهم في قضاياهم خاصة القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل ولا تنسي واشنطن وتل أبيب قطع جميع الدول الإفريقية علاقتها بإسرائيل عقب عدوان ٧٦٩١ علي مصر .
> السيطرة علي منطقة القرن الإفريقي ودول حوض النيل حيث تشير التقديرات إلي دخول إسرائيل في حالة فقر مائي خلال السنوات القادمة وبعد تعثر توصيل المياه التركية لتل أبيب لم يعد أمامها سوي مياه نهر النيل وتسعي واشنطن إلي تدمير هذا النظام المعادي لإسرائيل عقائديا  لخلق أنظمة عميلة تكون جاهزة لعقد اتفاقات أمنية واستراتيجية تمكن إسرائيل من الحصول علي حصة مياه عبر نهر النيل وترعة السلام .
ولكن أخطر النتائج علي الأمن القومي المصري عقب صدور قرار إيقاف البشير هو اقتراب إسرائيل من السد العالي حيث لم ينف قادة العصابة رغبتهم في نسف السد والانتهاء من الشعب المصري تماما،  وأعلن الصهيوني  ' ليبرمان ' زعيم حزب إسرائيل بيتنا الفائز بالمركز الثالث في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة والذي يحاول الحصول علي حقيبة الدفاع أن علي إسرائيل ضرب السد العالي والانتهاء من مصر ويري المراقبون أن ضرب وتفكيك السودان يحقق أهم أهداف الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي في آن واحد وهذا ما يفسر إجماع دول الغرب دون استثناء علي مساندة المحكمة الجنائية علي رغم من توافر جميع المعلومات لديها عن طريق منظماتها الإغاثية والتبشيرية التي تؤكد أن الصراع في دارفور منذ مئات السنين هو صراع تنمية وموارد وهو صراع علي المراعي والزراعات بين جميع القبائل بل بين أفراد القبيلة الواحدة ويبقي أن تحويل الاستراتيجية العسكرية المصرية لأهدافها وقواتها من الشرق إلي الجنوب هو أحد الأهداف العليا لإسرائيل التي لم تهزم مصر إلا عندما انقسم جيشها بين سيناء واليمن .
ويري المراقبون أن واشنطن سوف تنفذ مخططها عبر أحد السيناريوهات الآتية ..
أولا : التنسيق مع حكومة الجنوب وإعلان الانفصال من جانب واحد قبل حلول ميعاد الاستفتاء علي حق تقرير المصير المقرر عام ١١٠٢ وهو سيناريو يحتمل أمرين إما مباركة الحكومة السودانية لهذا القرار ومن ثم يتم تحقيق أهم الأهداف دون خسائر والعمل علي تحقيق الأهداف الأخري بشكل أسرع وأسهل أو العودة إلي الحرب الأهلية مع الجنوب وهو ما يسمح لواشنطن والغرب بتدخل عسكري مباشر لدعم أبناء الجنوب وإسقاط حكومة الشمال وأكد مصدر سوداني ل'الأسبوع ' أن قيادات الجنوب جميعا  تركوا العاصمة الخرطوم وذهبوا لمدينة جوبا عاصمة الجنوب ربما لإعلان الانفصال أو لمواجهة احتمالات إلغاء اتفاق نيفاشا من قبل حكومة الشمال .
ثانيا : تجميع حركات التمرد في تشاد وتحركها نحو العاصمة علي  غرار عملية حركة العدل والمساواة في مايو الماضي واحتمالات دخول السودان في نزاع مسلح مع تشاد يعطي فرنسا وأمريكا الفرصة لدعم تشاد بزعم حفظ السلم والأمن الدوليين ومن ثم إسقاط نظام البشير وهو أحد الأهداف التي سعت لها واشنطن منذ انفجار أزمة دارفور عام ٣٠٠٢ وأفشلت جميع المصالحات بين البلدين .
ثالثا : تحريك قوات التمرد من  غرب السودان في دارفور وقوات الحركة الشعبية من الجنوب في آن واحد والتحرك نحو العاصمة بدعم أمريكي  غربي عبر تشاد وأثيوبيا وكينيا وأوغندا ومن المعروف أن ممثلي الأمن القومي الأمريكي التقوا قيادات الجنوب ودارفور سويا  في البيت الأبيض مرات عدة دون حضور ممثلين عن الحكومة الاتحادية في الشمال وهو ما يؤكد وجود ترتيبات لا يرغب أي من الأطراف الثلاثة اطلاع الخرطوم عليها وفي زيارة سلفاكير للعاصمة الأمريكية واشنطن بداية يناير الماضي تم منع مصطفي عثمان إسماعيل من حضور لقائه مع كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والسماح فقط بحضور أبناء الجنوب والمعروف أن جميع حركات التمرد بما فيها حركة العدل والمساواة التي تدخل في مفاوضات مع الحكومة في دارفور تعتبر أن البشير مجرم حرب وتؤيد بكل قوة قرارات المحكمة الجنائية وكان خليل إبراهيم زعيم الحركة أعلن أنه سيقوم بالقبض علي البشير في حالة صدور القرار كما أن الحركة الشعبية في الجنوب وشريك الحكومة رحبٌ  معظم قياديها بقرار المحكمة واتخذوا موقفا  مؤيدا  منذ بداية الأزمة بزعم ضرورة التعاون مع المجتمع الدولي والمحكمة .
رابعا : افتعال معركة عسكرية بين القوات الدولية والجيش السوداني علي  غرار ما كاد يحدث في بلدة  ' مهاجرية ' في دارفور التي احتلتها حركة العدل والمساواة وعندها ذهب الجيش السوداني لتحريرها وجد القوات الدولية هناك التي رفضت الخروج من البلدة بحجة حماية المدنيين وهو سيناريو يمكن أن يتكرر ويمهد لحرب شاملة مع الجيش السوداني ومن ثم يمنح القوات الأمريكية فرصة دخول الخرطوم .


0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
//