يبدو عنوان الفيلم جزءا من حالة الالتباس والغموض التي يبثها بشكله البدائي وميزانيته المحدودة، فلقد حاول مخرج وكاتب العمل قاسم بصير أن يضع عنوانا جاذبا ومحفزا للمشاهدة في نفس الوقت فكتب كلمة "مسلم" الإنجليزية بالنطق العامي الأمريكي موزلم mooz-lum، ولكن في الوقت نفسه بدت الكلمة في نطقها أقرب لكلمة مُظلم العربية.
وعندما تشاهد الفيلم وتكتشف أنه يتحدث عن قصة حياة مراهق أمريكي مسلم يعاني من أزمة هوية نتيجة طبيعة التربية الإسلامية التي تلقاها من ناحية، وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه قبل.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر يراودك شعور بسوء النية الدرامي من وراء الأمر كله، أو محاولة للعب على حبلين؛ أولهما تصدير فكرة الدفاع عن الإسلام بالسينما، والثاني تقديم بعض الأفكار التي تتفق ورؤية الياهوبروستانتنية الأمريكية عن الإسلام.
من خلال ذاكرة طارق -بطلنا المراهق الذي يرحل لبدء دراسته الجامعية- نتابع أحداث الفيلم في خطين متوازيين، الأول هو طبيعة تربيته الإسلامية المتزمتة متمثلة في أبيه حسن، حيث يذهب به إلى مدرسة إسلامية أمريكية يتعرض فيها الطفل طارق إلى معاملة سيئة من أحد المدرسين المسلمين المتزمتين، والذي يقوم بضرب طارق بحجة تربيته، ويتسبب هذا الموقف في إحداث شرخ بعلاقة أم طارق بأبيه لدرجة أنها تنفصل عنه مصطحبة أخت طارق لتقوم بتربيتها بشكل سوي وغير متشدد.
هذا التشدد ينعكس على طارق من البداية حيث يقوم بإلقاء الطاقية الإسلامية من السيارة بمجرد أن يغادر أباه إلى الجامعة، ويبدأ في محاولة الانخراط في مجتمع الجامعة المفتوح؛ سواء على مستوى الحفلات أو شرب البيرة وما إلى ذلك، وكأنه رد فعل عكسي للتزمت والتشدد الذي عاشه طوال حياته في كنف أبيه، بينما نجد أخته والتي تربت مع الأم المتفتحة كبرت لتصبح فتاة سوية لا تعاني من أي أزمات تخص الهوية أو النفسية الإسلامية.
وفي الجامعة، يتعرف طارق على البروفيسور جمال والذي يمثل هو الآخر التيار الإسلامي المتفتح، فنراه في المحاضرة الأولى يحضر الكتب الثلاثة المقدسة ويقول إنه يؤمن بها جميعا، لكن يجب أن نتعلم كيف نؤمن دون تعصب أو كراهية للآخر.
بينما يقوم الممثل الكبير داني جلوفر بدور مدير الجامعة الذي يعتبر نموذجا لسلبية بعض مؤسسات المجتمع الأمريكي في التعامل مع قضايا التفرقة العنصرية، حيث نراه يوبِّخ البروفيسور جمال كلما شعر أنه يميل للحديث عن الأديان والعلاقة بالآخر، خصوصا مع إحساسه بحالة الاحتقان الطائفي في الطلبة في قاعات الدرس.
تظهر في حياة طارق بمجرد دخوله الجامعة فتاتان؛ إحداهما أمريكية سمراء والثانية هي إيمان وهي أخت زميله في الغرفة حمزة، والذي يمثل نموذجا للشباب المسلم السوي والمتفتح.
هاتان الفتاتان تمثلان حالة التخبط والازدواجية في حياة طارق؛ الأولى تشعره أنهما صديقان رغم محاولاته التقرب لها من أجل أن يُشعر نفسه أنه أمريكي فقط دون أي خلفيات دينية، أما الثانية فهي التي يقع بالفعل في حبها، ولكنه يقاوم هذه المشاعر طوال الوقت، خاصة أنها تذكره بالطفولة المظلمة التي عاشها في كنف أب متشدد ومدرسة متزمتة.
ودلالة اسم إيمان واضحة، خصوصا مع اختيار ممثلة شابة جميلة وهادئة، فهي تمثل كل ما هو رائع في الديانة الإسلامية، خاصة مع تفوقها العلمي ونفسيتها المتوازنة، ويتشتت طارق طوال الوقت بين الفتاتين في حالة درامية تعكس أزمته، وهي الأزمة النابعة أساسا من كونه شابا مسلما.
لكن السيناريو يقدم مواقف كثيرة سطحية وفاترة يكثر فيها الكلام المباشر والإشارات الساذجة التي تعكس في بعض الأحيان عدم فهم طبيعة الشخصية الإسلامية أو المجتمع الإسلامي، والاكتفاء بقشور الثقافة الإسلامية مثل ارتداء أم طارق للحجاب في البيت أو الإصرار على جعل كل الشخصيات المتزمتة إسلاميا ذات لحى وملامح قاسية، وكلها إشارات تعكس تفاهة النظرة وتطابقها مع الشكل التقليدي أو الخيالي للمسلم المتشدد، أي الصورة التي رسمها بن لادن في خيال الغرب.
بعد أحداث 11/9، يحاول الفيلم أن يصور حالة الجنون العنصري التي انتابت المجتمع الأمريكي، حيث يجتمع الطلبة الأمريكان محاولين النيل من أي شخص شرقي الملامح.
وتتعرض إيمان وأخت طارق للتحرش الساذج من قبل بعض الطلبة الغاضبين، ويظهر طارق ويتصدى لهم ويحدث كشف درامي طفولي، وهو أن زملاء طارق لم يكونوا يعرفون أنه مسلم لأنه دائما ما كان يحتفظ بهذا الأمر كسر شخصي.
ويقوم أحد الطلبة الأمريكان المتعصبين بضرب طارق ولكن يمنعه زميل آخر في موقف شديد الركاكة كتابة وتنفيذا يحاول أن يقول إن من كل فريق هناك تعصب وهناك عنصرية، فكما أن هناك مسلمين متشددين هناك أمريكان متطرفون وينتهي الموقف الطفولي بطارق مضروب وكاره لنفسه وحياته تماما مثلما كان في طفولته المظلمة
وعندما يذهب والده إلى زيارته يجتمع شمل الأسرة لأول مرة منذ سنوات طويلة، ويبدو على الأب الندم لأنه تشدد في تربية ابنه مسقطا السيناريو خوف الأب من أن يتحول ابنه من وراء هذا التشدد إلى "إرهابي" كهؤلاء الذين نفذوا أحداث 11/9 رغم أنه لم يكن قد أعلن بعد بشكل رسمي أو يقيني أنهم مجموعة "مسلمة.
ولكن الفيلم يعتمد في غباء درامي على تلك المعلومات التي لدى المتفرج عن الحادث، لا عن المعلومات الدرامية التي يحتّمها الزمن الدرامي للفيلم، أي زمن حدوث الهجمات، ولكنه مثل كل الأفلام الدعائية البدائية يعتبر أن الجمهور يعرف الكثير ولا يحتاج سوى إلى التذكرة.
إضافة إلى ما سبق فإن ضعف المخرج /المؤلف الواضح على المستوى الفني جعله يتصور أن مجرد الحديث عن المسلمين وظهور شخصيات ملتحية ومحجبة يمكن أن يرفع من شأن فيلمه، مما يثير تساؤلا مستمرا حول مدى استفادة صورة الإسلام من مثل هذه الأفلام البدائية؟!
فاليهود على سبيل المثال يهتمون اهتماما كبيرا بشكل ومضمون الأفلام الدعائية التي يصنعونها من أجل خدمة صورتهم وقضاياهم، ولا تخرج أفلامهم بهذه الصورة السطحية النمطية عن أنفسهم، ولكن يبدو أن قاسم بصير حاول أن يستغل فكرة تحسين صورة المسلمين من أجل أغراض تجارية أو ربحية حيث إن الفيلم ممول من أكثر من جهة رغم فقر الإنتاج الواضح وضحالة المنطق العام.
0 التعليقات:
إرسال تعليق